فصل: فتح الأهواز والسوس بعدها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح الأهواز والسوس بعدها.

لما انهزم الهرمزان يوم القادسية قصد خوزستان وهي قاعدة الأهواز فملكها وملك سائر الأهواز وكان أصله منهم من البيوتات السبعة في فارس وأقام يغير على أهل ميسان ودست ميسان من ثغور البصرة يأتي إليها من منادر ونهر تيري من ثغور الأهواز واستمد عتبة بن غزوان سعدا فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود فنزلا بين ثغور البصرة وثغور الأهواز وبعث عتبة بن غزوان سلمي بن القين وحرمله بن مريطة من بني العدوية بن حنظلة فنزلا على ثغور البصرة بميسان ودعوا بني العم بن مالك وكانوا ينزلون خراسان فأهل البلاد يأمنونهم فاستجابوا وجاء منهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكلبي فلقيا سلمي وحرملة وواعداهما الثورة بمنادر ونهرتيري ونهض سلمي وحرملة يوم الموعد في التعبية وأنهضا نعيما والتقوا هم والهرمزان وسلمي على أهل البصرة ونعيم على أهل الكوفة وأقبل إليهما المدد من قبل غالب وكليب وقد ملك منادر ونهرتيري فانهزم وقتل المسلمون من أهل فارس مقتلة وانتهوا في اتباعهم إلى شاطئ دجيل وملكوا ما دونها وعبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وصار دجيل بينه وبين المسلمين ثم طلب الهرمزان الصلح فصالحوه على الأهواز كلها ما خلا نهر تيري ومنادر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز فإنه لا برد وبقيت المسالح على نهر تيري ومنادر وفيهما غالب وكليب ثم وقع بينهما وبين الهرمزان اختلاف في التخم ووافقهما سلمي وحرملة فنقض الهرمزان ومنع ما قبله وكثف جنوده بالأكراد وبعث عتبة بن غزوان حرقوص بن زهير السعدي لقتاله فانهزم وسار إلى رام هرمز وفتح حرقوص سوق الأهواز ونزل بها واتسقت له البلاد إلى تستر ووضع الجزية وكتب بالفتح وبعث في أثر الهرمزان جزء بن معاوية فانتهى إلى قرية الشغر ثم إلى دورق فملكها وأقام بالبلاد وعمرها وطلب الهرمزان الصلح على ما بقي من البلاد ونزل حرقوص جبل الأهواز وكان يزدجر في خلال ذلك يمد ويحرض أهل فارس حتى اجتمعوا وتعاهدوا مع أهل الأهواز على النصرة وبلغت الأخبار حرقوصا وجزءا وسلمي وحرملة فكتبوا إلى عمر فكتب إلى سعد أن يبعث جندا كثيفا مع النعمان بن مقرن ينزلون منازل الهرمزان وكتب إلى أبي موسى أن يبعث كذلك جندا كثيفا مع سعد بن عدي أخي سهيل ويكون فيهم البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم وعلى الجندين أبو سبرة بن أبي رهم.
فخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة فخلف حرقوصا وسلمي وحرملة إلى الهرمزان وهو برام هرمز فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره الشده ولقيه فانهزم ولحق بتستر وجاء النعمان إلى رام هرمز فنزلها وجاء أهل البصرة من بعده فلحقهم خبر الواقعة بسوق الأهواز فساروا حتى أتوا تستر ولحقهم النعمان فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وأمدهم عمر بأبي موسى جعله على أهل البصرة فحاصروهم أشهرا وأكثروا فيهم القتل وزاحفهم المشركون ثمانين زحفا سجالا ثم انهزموا في آخرها واقتحم المسلمون خنادقهم وأحاطوا بها وضاق عليهم الحصار فاستأمن بعضهم من داخل البلد بمكتوب في سهم على أن يدلهم على مدخل يدخلون منه فانتدب لهم طائفة ودخلوا المدينة من مدخل الماء وملكوها وقتلوا المقاتلة وتحصن الهرمزان بالقلعة فأطافوا بها واستنزلوه على حكم عمرو وأوثقوه واقتسموا الفيء فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألف وقتل من المسلمين في تلك الليلة البراء بن مالك ومجزأة بن ثور قتلهما الهرمزان.
ثم خرج أبو سبرة في أثر المنهزمين ومعه النعمان وأبو موسى فنزلوا على السوس وسار زر ابن عبد الله الفقيمي إلى جند يسابور فنزل عليها وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بالرجوع إلى البصرة وأمر مكانه الأسود بن ربيعة بن مالك صحابي يسمى المقترب وأرسل أبو سبرة بالهرمزان إلى عمر في وفد منهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس فقدموا به بالمدينة وألبسوه كسوته من الديباج المذهب وتاجه مرصعا بالياقوت وحليته ليراه المسلمون فلما رآه عمر أمر بنزع ما عليه وقال يا هرمزان كيف رأيت أمر الله وعاقبة الغدر؟ فقال: يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم فلما صار الآن معكم غلبتمونا قال: فما حجتك وما عذرك في الانتفاض مرة بعد أخرى؟ قال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك قال لا تخف ذلك ثم استقى فأتي بالماء فقال: أخاف أن أقتل وأنا أشرب فقال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده وقال لا حاجة لي في الماء وقد أمنتني قال: كذبت قال أنس: صدق يا أمير المؤمنين فقد قلت له لا بأس عليك حتى تخبرني وحتى تشربه وصدق الناس فأقبل عمر على الهرمزان وقال خدعتني لا والله إلا أن تسلم! فأسلم ففرض له في ألفين وأنزله المدينة واستأذنه الأحنف بن قيس في الانسياح في بلاد فارس وقال: لا يزالون في الانتقاض حتى يهلك ملكهم فأذن له.
ولما لحق أبو سبرة بالسوس ونزل عليها وبها شهريار أخو الهرمزان فأحاط بها ومعه المقترب بن ربيعة في جند البصرة فسأل أهل السوس فأجابوهم وسار النعمان بن مقرن بأهل الكوفة إلى نهاوند وقد اجتمع بها الأعاجم وسار المقترب إلى زر بن عبد الله على جند يسابور فحاصروها مدة ثم رمى السهم بالأمان من خارج على الجزية فخرجوا لذلك فناكرهم المسلمون فإذا عبد فعل ذلك أصله منهم فأمضى عمر أمانه وقيل في فتح السوس إن يزدجرد سار بعد وقعة جلولاء فنزل اصطخر ومعه سباه في سبعين ألفا من فارس فبعثه إلى السوس ونزل الكلبانية وبعث الهرمزان إلى تستر ثم كانت واقعة أبي موسى فحاصرهم فصالحوه على الجزية وسار إلى هرمز ثم إلى تستر ونزل سباه بين رام هرمز وتستر وحمل أصحابه على صلح أبي موسى ثم على الإسلام على أن يقاتلوا الأعاجم ولا يقتلوا العرب ويمنعهم هو من العرب ويلحقوا بأشراف العطاء فأعطاهم ذلك عمر وأسلموا وشهدوا فتح تستر ومضى سباه إلى بعض الحصون في زي العجم فغدرهم وفتحه للمسلمين وكان فتح تستر وما بعدها سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة.